الشيك هو من السندات التجارية التي أثارت و لا تزال تثير إلى يومنا هذا إشكاليات قانونية متعددة. لذلك فهو يأخذ حيزا هاما من عمل المحاكم بالنظر إلى ارتفاع عدد القضايا المتعلقة به. فالشيك منذ أول تنظيم له في المجلة التجارية سنة 1959 يثير جدلا انطلق مع تحديد طبيعته القانونية وفيما إذا كان يمكن اعتباره سندا تجاريا كالكمبيالة والسند للأمر وفي وجاهة ضمه لهذه السندات التجارية في الكتاب الثالث من المجلة[1] ليتواصل بعد ذلك حول الآثار التي يرتبها هذا السند على المتداخلين فيه. فخاصية الشيك أنه مؤسسة قانونية متشعبة ومعقدة لا فقط لأن المجالات التي يتدخل فيها عديدة بل كذلك لأن المصالح المرتبطة به كذلك متعددة.
والشيك لا يتعلق مجاله بنظر القانون التجاري فقط بل كذلك بالقانون البنكي والقانون الجزائي.[2] كما أنه سند لا يقتصر في استعماله على التجار، إذ يمكن أن يكون مصدر الحقوق موضوع الشيك غير تجاري. فقد شاع في الوقت الراهن الاستعمال المفرط للشيكات حتى بين المدنيين في معاملات لا تتعلق البتة بالتجارة. ثم إنه لا يخفى ما كذلك للبنك كفاعل اقتصادي رئيسي من دور هام في وجود هذا السند وخلاصه. ورغم أهميته فلم يرد بالمجلة التجارية تعريف تشريعي له و لا في غيرها من النصوص القانونية الخاصة بالشيكات. ويمكن تعريف الشيك بأنه سند بمقتضاه يوجه شخص يدعى الساحب أمرا إلى صيرفه أو إلى مؤسسة بنكية مماثلة بأن يدفع مبلغا ماليا سابق وجاهز لفائدة شخص آخر يدعى المستفيد أو على إذنه. ويستعمل الشيك من الأشخاص الذين يملكون حسابات بنكية كوسيلة لسحب أموالهم أو كوسيلة خلاص، لذلك يكتسي الرصيد أهمية كبرى في نظام الشيكات حيث أولاه المشرع عناية كبرى و رتب عن غيابه عدة نتائج خطيرة على المستوى المدني والجزائي.
وترتبط المسؤولية التي قد يثيرها الشيك خاصة بدفعه. وقد تكون هذه المسؤولية مدنية أو جزائية. كما أنها قد تتسلط على ساحب الشيك أو كذلك على البنك المتعهد بصرفه. أما فيما يتعلق بمسؤولية ساحب الشيك، فقد خول المشرع على المستوى المدني في الفصل 386 من م ت لحامل الشيك الرجوع عليه وعلى غيره من الملتزمين إذا عرضه للوفاء في المدة القانونية ولم يدفع له و أثبت الامتناع عن الدفع باحتجاج. كما يمكن كذلك لحامل الشيك تتبعه جزائيا بناءا على الفصل 410 من نفس المجلة إذا أصدر » شيكا ليس له رصيد سابق وقابل للتصرف فيه أو كان الرصيد أقل من مبلغ الشيك أو استرجع بعد إصدار الشيك كامل الرصيد أو بعضه أو اعترض على خلاصه لدى المسحوب عليه في غير الصور المنصوص عليها في الفصل 374 من المجلة » و أما فيما يتعلق بالبنك المتعهد بالصرف فقد أقر المشرع مسؤوليته المدنية في الفصل 410 مكرر من المجلة الذي جاء فيه » كل مصرف توفر عنده الرصيد ولم تحصل لديه أي معارضة فيه يرفض دفع شيك مسحوب عليه سحبا صحيحا يكون مسؤولا للساحب بغرم الضرر الناجم عن عدم تنفيذه أمره بالدفع وعما لحقه في سمعته ». كما أقر كذلك مسؤوليته الجزائية لا فقط في صورة « مساعدته عمدا ساحب الرصيد على إخفاء جريمة إصدار شيك بدون رصيد سواء بعدم قيامه بالإجراءات القانونية المناطة بعهدته أو بمخالفته تراتيب المهنة وواجباته » (الفصل 411 فقرة أولى من م ت) بل كذلك في صورة الامتناع عن صرف شيك وجب صرفه على معنى أحكام الفصل 411 فقرة ثانية من م ت وهي الجريمة التي تناولها قرار دائرة الاتهام موضوع التعليق.
وتتلخص وقائع القضية في كون المدعو لسعد بن الحسين شعبان قام على مسؤوليته الخاصة على البنك العربي بتونس فرع قابس من أجل جريمة الامتناع عن صرف صك وجب صرفه على إثر رجوع شيك مسحوب على البنك المذكور بدون خلاص و الحال أنه يتمتع بحكم انتظام معاملاته معه بعقود اعتماد منذ سنة 2005 تخوله التغطية المالية للبنك حسب الاتفاق المبرم بينهما في حدود 530 ألف دينار شهريا كسقف أقصى متمسكا بكون البنك لم يتولى إشعاره أو التنبيه عليه مسبقا وهو ما يعد خرقا للقانون وللمعاملات البنكية المتعارف عليها. وأمام تمسك البنك المطلوب بكون الشاكي قد تجاوز السقف المسموح به بباب تسهيلات الدفع (تسهيلات بنكية) اعتبر هذا الأخير أنه وإن تجاوزت معاملاته المالية السقف المسموح به بباب التسهيلات المصرفية إلا أنه على البنك خلاص الشيك المذكور بالنظر إلى عقود الاعتماد برمتها لا الاقتصار على التسهيلات المصرفية الأمر الذي دفع البنك بالقول بكون عقود الاعتماد التي تربطه به تتفرع إلى عناوين مختلفة التي منها تسهيلات الدفع وإسقاط أوراق تجارية وكفالات بنكية و أن الصكوك البنكية لا يمكن التعامل بشأنها إلا في إطار تسهيلات الدفع ولا يمكن إدراجها ضمن العناوين الأخرى لعقود الاعتماد. أما التنبيه فقد أكدت أنها وجهت للشاكي تنبيها عن طريق عدل منفذ ليتولى تغطية الصك وهو ما فعله فعلا.
فالإشكال المطروح إذا أمام دائرة الاتهام كان في مدى توفر شروط قيام جريمة الامتناع عن صرف صك كان من الواجب صرفه طبق الفصل 411 من م ت في حق المشتكى به.
وبناءا على تقرير الاختبار الذي أذنت به المحكمة والذي أثبت أن البنك المشتكى به قد سبق له أن تجاوز السقف المتفق عليه في باب التسهيلات البنكية وسمح بخلاص أوراق تجارية للشاكي رغم تجاوزه لذلك السقف وبالنظر إلى غياب تنبيه على الشاكي باعتزام البنك الرجوع في ذلك الاعتماد اعتبرت دائرة الاتهام أن هناك من الحجج والقرائن ما يكفي للاستدلال على قيام جريمة الامتناع عن صرف صك كان من الواجب صرفه طبق الفصل 411 من م ت. ولئن وفقت دائرة الاتهام في تقدير الشرط الثاني لقيام الجريمة والمتعلق بإجراء التنبيه (II) فإن موقفها من الشرط الأول لقيام الجريمة كان يكتنفه الغموض (I).
- شرط وجود عقد اعتماد واللبس الحائم حول تقدير هذا الشرط
تعرض المشرع كما سبق شرحه في الفصل 411 فقرة ثانية من م ت إلى جريمة الامتناع عن صرف صك كان من الواجب صرفه. و يستخلص من قراءة هذا الفصل أن المشرع يؤسس قيام هذه الجريمة في وجود حالتين: حالة اعتماد تمّ فتحه لفائدة ساحب الشيك وحالة وجود تسهيلات بنكية معتادة. و لئن نظم المشرع فتح الاعتماد في الفصل 705 من م ت وعرفه بكونه » يقتضي وضع وسائل للدفع إلى حد مبلغ معين من النقود تحت تصرف المستفيد مباشرة أو بواسطة » فإنه لم يتعرض صراحة إلى التسهيلات البنكية كعملية بنكية ولم ينظمها لا في أحكام المجلة التجارية ولا في القوانين التي تتالت على تنظيم البنوك والمؤسسات المالية والتي كان آخرها القانون عدد 48 لسنة 2016 المؤرخ في 11 جويلية 2016. لكنه في المقابل تعرض إلى « عمليات منح القروض بجميع أشكالها » في الفصل الرابع من القانون المذكور وصنّفها ضمن العمليات البنكية وعرفها في الفصل 6 منه بكونها » كل تصرف يقوم به شخص طبيعي أو معنوي بمقابل:
– يضع بموجبه أموالا على ذمة شخص آخر،
– أو يلتزم بموجبه بوضع أموال أو إعطاء تعهدات بالتوقيع في شكل كفالة أو ضمان لفائدة شخص آخر » وهو تعريف يمكن أن يشمل مبدئيا التسهيلات البنكية.
وتمييز المشرع هذين المعاملتين البنكيتين عند التأسيس لقيام جريمة الامتناع عن صرف صك كان من الواجب صرفه والذي دلت عليه صياغة الفصل نفسه الذي أورد كل حالة في مطّة يفيد أن فتح الاعتماد يختلف بنظر المشرع عن التسهيلات البنكية كعملية بنكية برغم تشابه فائدتهما على الحريف. ففتح الاعتماد يندرج ضمن العقود التجارية التي نظمها المشرع في الكتاب الخامس من المجلة التجارية. و لأنه عقد فإنه يستوجب وجود إرادة صريحة لطرفيه يتفقان بموجبها على مبدأ التعاقد وشروطه. ورغم أن المشرع لم يورد ما يفيد اشتراط الكتب فيه باعتبار أن الفصل 598 من م ت يكرس قاعدة حرية الإثبات فإن الأعراف البنكية جرت على اعتماد صيغ مكتوبة مع الحرفاء وهي مسألة تبدو ضرورية خاصة و أن هذا العقد يمكن أن يكون بحسب الفصل 705 م ت لمدة محدودة أو لمدة غير محدودة وبالتالي وجب لتمييز صنفه تحرير كتب، وهو ما حصل فعلا في وقائع القضية موضوع التعليق الذي تم فيه تحرير اتفاق كتابي بين الحريف الشاكي و البنك المشتكى به. فالتغطية المالية التي يحققها الاعتماد المفتوح لفائدة الحريف إنما تقوم إذا على اتفاق مسبق و إرادة متبادلة من الطرفين المتعاقدين انبنت عليها الآثار المالية للعقد. وفتح الاعتماد هو إذا عقد تجاري له نظامه الخاص ورغم قلة عدد الفصول المنظمة له في المجلة التجارية التي لا تزيد عن فصلين اثنين فإنه يمكن أن يجد أساسا له بحسب الفصل 597 من م ت في مجلة الالتزامات والعقود.
أما التسهيلات البنكية فإنها برغم جريان العمل ها كمعاملة بنكية لا ترقى إلى وصف العقد وذلك بالنظر أولا لكون المشرع لم يصنفها ضمن المعاملات البنكية التي تأخذ وصف العقد التجاري في المجلة التجارية ولعدم وجود أي نظام خاص لها خارج المجلة. فأساس التسهيلات البنكية هو العادة لا العقد ومرجعيتها أصول العرف البنكية لا المجلة التجارية و لا حتى مجلة الالتزامات والعقود. والتسهيلات البنكية هي تطبيق une pratique جرت البنوك على العمل به لفائدة حرفائها وهو امتياز تمنحه بصفة انفرادية لمن تراه حريا به دون أن يكون هناك عقد سابق يؤسس له. ورغم أن هذا التكييف لم يرد بشكل صريح بعبارات المشرع في الفصل 411 م ت الذي أسس لإمكانية قيام جريمة الامتناع عن صرف صك كان من الواجب صرفه على هذه المعاملة البنكية فإن بعض المصطلحات الواردة بالفصل تؤكده على غرار عبارة « تعوّد » التي استعملها المشرع في وصف هذه المعاملة والتي تفيد قيامها على العادة وكذلك عدم إحالته إلى القانون عند حديثه عن التنبيه الواجب القيام به قبل الرجوع في هذه التسهيلات. فإذا كان التنبيه المشترط للرجوع في فتح اعتماد يجب أن يكون « بصفة قانونية » بحسب الفصل 411 من م ت الذي يفيد ضمنا الرجوع إلى أحكام الفصل 705 فقرة ثانية من م ت المنظمة لكيفية التنبيه بالرجوع في فتح اعتماد فإن التنبيه الواجب للرجوع في التسهيلات البنكية بحسب نفس الفصل غير مقيد بأي شروط قانونية.
ورغم اختلاف المؤسستين من ناحية طبيعتهما القانونية واختلاف نظام كل منهما عن الأخرى فإن الخلط كان قائما في نظر الشاكي في خصوصه. فمن جهة أولى تحدث الشاكي عن عقود اعتماد وليس عن عقد واحد معتبرا أن هذه العقود تنقسم إلى ثلاثة أصناف: تسهيلات مصرفية وتصريف كمبيالات واعتمادات بنكية وهو نفس التمشي الذي ذهب فيه المشتكى به وهو توصيف غير صحيح بالنظر إلى أن صفة العقد وإن تنطبق على فتح الاعتماد فإنها لا تنطبق على التسهيلات البنكية كما يجوز كذلك وصف عملية إسقاط الأوراق التجارية بالعقد لصراحة الفصل 743 من م ت المندرج كذلك ضمن العقود التجارية[3] ونفس الأمر ينطبق كذلك على الكفالات البنكية بالعودة إلى الفصل 6 من قانون 11 جويلية 2011[4] من جهة أخرى اعتبر الشاكي أن عقود الاعتماد يجب النظر إليها ككل لا الاقتصار على التسهيلات البنكية في تحديد السقف الأقصى المسموح به في معاملاته المالية واعتبر أن عدم اتجاه البنك نحو ذلك يعد إخلالا منها وهو ما عارضه المشتكى به الذي اتجه إلى استقلالية عقود الاعتماد التي تربط البنك. فلئن كانت عقود الاعتماد التي تربط البنك بحريفها الشاكي تتفرع إلى عناوين مختلفة التي منها تسهيلات دفع وإسقاط أوراق تجارية وكفالات بنكية فإن الصكوك البنكية ومنها الصك موضوع القضية لا يمكن التعامل بشأنه إلا في إطار باب تسهيلات الدفع ولا يمكن إدراجه ضمن العناوين الأخرى لعقود الاعتماد التي تربطها بالحريف وبالتالي فإنه إذا تجاوز هذا الأخير السقف الأقصى المسموح به لتغطية معاملاته المالية ضمن باب تسهيلات الدفع فإن البنك يصبح في حل من جميع الصكوك التي تتجاوز هذا السقف. ورغم الخلاف حول طبيعة علاقة التسهيلات البنكية بمعاملات أخرى بنكية تربط الشاكي بالمشتكى به على غرار إسقاط الأوراق التجارية و الكفالات البنكية و أهميته في تحديد مدى توفر أحد العناصر الأساسية المكونة لجريمة الامتناع عن صرف صك كن من الواجب صرفه المنصوص عليها بالفصل 411 من م ت فإن قرار دائرة الاتهام جاء خاليا من كل توضيح حول هذه المسألة. فلا دائرة الاتهام فصلت في طبيعة التسهيلات البنكية فيما إذا كانت لها صبغة عقدية أم هي تطبيقات بنكية معتادة للبنوك و لا هي حددت علاقة هذه العملية مع غيرها من العمليات البنكية التي تربط الشاكي بالمشتكى به كإسقاط الأوراق التجارية والكفالات البنكية ودرجة استقلاليتها أو ارتباطها بها واكتفت في حيثياتها بالقول أنه » وحيث يتضح أن البنك قد رفض خلاص الشيك المسحوب عليه بدعوى تجاوز السقف المسموح به دون التنبيه على الشاكي قبل ذلك باعتزامه الرجوع في ذلك الاعتماد الذي اعتاد الشاكي التمتع به فعليا و لو أن الاتفاق المبرم مع البنك كان دون السقف الذي اعتاد منحه له ». فقد اكتفت دائرة الاتهام بالتركيز على واقعة الرفض الصادرة عن البنك المشتكى به دون الخوض في طبيعة المعاملة التي بني عليها. لكن التأمل في عبارات هذه الحيثية يحمل على الاعتقاد أن دائرة الاتهام اتجهت نحو اعتبار التسهيلات البنكية التي تأسس عليها التجريم هي من قبيل العادة أو العرف البنكي وليست عقدا أو اتفاقا. ويدفع نحو هذا الاعتقاد معطيين: أولها شكلي يتمثل في استعمال الدائرة لعبارة « اعتاد » أكثر من مرة في حيثياتها وكذلك عبارة « فعليا » التي تفيد أن ما قامت به المؤسسة البنكية المشتكى بها تجاه حريفها من دفع تسهيلات بنكية كان على سبيل العادة لا على أساس الاتفاق ثانيها موضوعي فدائرة الاتهام أسست الرفض الموجب للتجريم « للاعتماد الذي اعتاد الشاكي التمتع به فعليا » لا الاتفاق المبرم مع البنك الذي كان دون السقف الذي اعتاد البنك منحه للشاكي. وقد دعمت موقفها بما جاء في تقرير الاختبار الذي أقر تعود المصرف منح تسهيلات بنكية للشاكي برغم تجاوز السقف المتفق عليه. فدائرة الاتهام إذا بهذه الطريقة تتجه نحو قراءة سليمة للفصل 411 من م ت الذي يفصل بين فتح الاعتماد والتسهيلات المصرفية والذي يصف هذه العملية بالعادة البنكية. وهي إن اعتبرت أن البنك المشتكى به قد ارتكب جريمة الامتناع عن صرف صك كان من الواجب صرفه فذلك يعود لا لكونه خرق الاتفاق الكتابي الذي يربطه بالحريف بل لكونه لم يمنحه تسهيلات دفع تعوّد منحها له. وقد خرج بهذا الأساس الذي اعتمده لقيام جريمة الامتناع عن صرف صك وجب صرفه عن الجدل الذي طرحه المتنازعان حول مدى احترام الاتفاق الكتابي الذي يربط البنك بحريفه للقول بقيام الجريمة من عدمها.
- وضوح الشرط الثاني للقيام جريمة الامتناع عن صرف صك وجب صرفه ووجاهة موقف دائرة الاتهام
يتعلق الشرط الثاني من شروط قيام جريمة الامتناع عن صرف صك وجب صرف بالتنبيه الواجب على البنك إلى الحريف الذي يقع الإخلال به. فالمسؤولية الجزائية للمصرف بحسب الفصل 411 من م ت تقوم ضد كل مصرف يرفض أداء شيك عول ساحبه على اعتماد فتح له ولم يرجع فيه بصفة قانونية أو كذلك عول ساحبه على تسهيلات دفع تعود منحها له ولم يدل بما يثبت التنبيه على الساحب رجوعه فيها . وعبارة » لم يرجع فيه بصفة قانونية » التي استعملها المشرع في الفصل 411 من م ت فقرة ثانية مطة أولى بالنسبة لفتح الاعتماد إنما يقصد بها الرجوع في فتح اعتماد حسب الإجراءات المنصوص عليها في الفصل 705 فقرة ثانية من م ت والذي جاء فيه » يكون منح الاعتماد حاصلا لمدة محدودة أو غير محدودة بأجل. وفي هذه الصورة الأخيرة يمكن للبنك الرجوع فيه بمحض إرادته لكن يجب عليه التنبيه بذلك قبل وقوعه بثمانية أيام بواسطة رسالة مضمونة الوصول. وكل شرط مخالف لهذا الحكم يعد لا غيا » ويتضح بقراءة الفصول المذكورة أعلاه أن إجراء التنبيه و إن كان شرطا ضروريا لقيام جريمة الامتناع عن صرف صك كان من الواجب صرفه فإنه يختلف بحسب ما إذا كان الامتناع عن صرف الصك مبني على فتح اعتماد أو على تسهيلات بنكية. ففي الحالة الأولى يشترط المشرع أن يكون التنبيه خاضعا للشروط الواردة بالفصل 705 فقرة ثانية من م ت المتعلقة بالأجل وشكل التنبيه إذ يجب أن يكون التنبيه قبل الرجوع في فتح الاعتماد بثمانية أيام كما أن التنبيه يتم بحسب الفصل بوسيلة واحدة: رسالة مضمونة الوصول. وتعد هذه القاعدة من القواعد الشكلية الآمرة التي لا يمكن مخالفتها. أما في الحالة الثانية وهي حالة التسهيلات البنكية فلم يقيد المشرع البنك بقيود معينة حول كيفية التنبيه و أجله و إنما ترك للبنك حرية استعمال كل وسيلة ممكنة شرط إثباتها « و لم يدل بما يثبت التنبيه على الساحب » تقول دائرة الاتهام. كما أنه لم يضبط أجلا له للقيام بالتنبيه بالرجوع في تسهيلات الدفع الأمر الذي يجعل مسألة تحديد الأجل خاضع لإرادة البنك الذي يجب في جميع الأحوال اعتماد الآجال التي يقتضيها العرف.
وشرط التنبيه شرط مفقود في وقائع قرار دائرة الاتهام موضوع التعليق وهو ما بنت عليه على صواب موقفها في قيام جريمة الامتناع عن صرف صك وجب صرفه باعتبار اختلال هذا الشرط. وقد وردت عباراتها واضحة في كون « البنك رفض خلاص الشيك المسحوب عليه بدعوى تجاوز السقف المسموح دون التنبيه على الشاكي قبل ذلك باعتزامه الرجوع في ذلك الاعتماد ». وقد برز تميّز تعليل دائرة الاتهام أكثر في كونها ميزت بين التنبيه الذي تمسك به البنك المشتكى به والتنبيه المشترط لقيام جريمة الامتناع عن صرف صك وجب صرفه. فأمام مجابهة البنك المشتكى به بعدم التنبيه على الشاكي قبل الرجوع في تسهيلات الدفع التي منحها له اعتبر هذا الأخير أنه قام بالتنبيه على الشاكي بواسطة عدل منفذ قصد تغطية مبلغ الصك كما أضاف بأن هذا التنبيه تم بعد أن تجاوز الحريف السقف المسموح به في التسهيلات البنكية، وهو تأويل خاطئ للنص فالتنبيه المشترط لقيام جريمة الفصل 411 من م ت ليس التنبيه المشترط لتغطية صك بدون رصيد الوارد أحكامه بالفصل 410 ثالثا من م ت[5] وهو ما توصلت إليه دائرة الاتهام عن صواب.
[1] وقد تعلق النقد الموجه للمشرع التونسي في كون الشيك ليس سند تجاري بل هو وسيلة خلاص.
[2] إذ ترتبط بالشيك عدة جرائم على غرار جريمة إصدار شيك بدون رصيد وجريمة الامتناع عن صرف صك وجب صرفه على معنى الفصل 411 من م ت .
[3] فقد جاء بهذا الفصل أن » الخصم هو عقد يلتزم صيرفي بمقتضاه بأن يدفع سلفا للحامل مبلغ أوراق تجارية أو غيرها من السندات القابلة للتداول يحل أجل دفعها في تاريخ معين ويسلمها له الحامل مع تحمله بأداء قيمتها إذا لم يوف بها الملتزم الأصلي فيها ».
[4] فقد وصف هذا الفصل عقد القرض بكونه تصرف بمقابل و أدرج ضمنه »إعطاء تعهدات بالتوقيع في شكل كفالة أو ضمان لفائدة شخص آخر ».
[5] جاء بالفصل 410 ثالثا من م ت » على كل مصرف مسحوب عليه شيك يمتنع عن الدفع كليا أو جزئيا لانعدام الرصيد أو نقصانه أو عدم قابلية التصرف فيه أن …يدعو الساحب في نفس اليوم بواسطة برقية أو تلكس أو فاكس أو بأية وسيلة أخرى شبيهة تترك أثرا كتابيا إلى توفير الرصيد في حسابه أو جعله قابلا للتصرف فيه وذلك في أجل أقصاه ثلاثة أيام عمل مصرفية من تاريخ الامتناع عن الدفع ».